الكرة النسوية تودّع قائدها… ناصر دحبور يرحل تاركًا إرثًا خالدًا

الأحد 19 أكتوبر,2025
الكرة النسوية تودّع قائدها… ناصر دحبور يرحل تاركًا إرثًا خالدًا

القدس- دائرة الإعلام بالاتحاد:

لم يكن ناصر دحبور مجرد مدرب لكرة القدم، كان أباً ومعلمًا وقائدًا آمن بأن الرياضة قادرة على بناء وطنٍ من جديد، حتى وهو يصارع المرض في أيامه الأخيرة. رحل الرجل الذي حمل همّ الكرة النسوية الفلسطينية على كتفيه، تاركًا وراءه إرثًا من العطاء والإصرار لن تمحوه الأيام.

ولد ناصر دحبور 24 تشرين ثاني/ نوفمبر 1967 في بلدة خربثا بني حارث شمال غرب رام الله، وهناك بدأت حكايته الأولى مع الكرة والحلم. 

حمل شغفه منذ الطفولة، فبدأ اللعب في بلدته قبل أن ينتقل إلى القرى المجاورة مثل دير عمار وبيت عور، ثم خاض تجربة مميزة مع ثقافي طولكرم عام 1987، تلتها محطات مع نادي الأمعري ونادي صفّا، ليختتم مشواره كلاعب في نادي بلدته الأم خربثا بني حارث عام 2000، معلنًا نهاية مسيرته كلاعب، وبداية فصل جديد في عالم التدريب.

انطلق دحبور في مشواره التدريبي من أندية القرى المحيطة برام الله والبيرة، فكانت بدايته مع نادي شقبا الذي صعد معه إلى الدرجة الثالثة ثم الثانية، قبل أن يتولى تدريب نادي خربثا بني حارث في الدرجة الثالثة، ونادي بيتللو الذي حقق معه الصعود إلى الدرجة الثانية، بعدها واصل نجاحه مع نادي بيت لقيا، ليقوده نحو الاحتراف الجزئي، مؤكداً أن الإرادة يمكن أن تصنع الفارق مهما كانت الإمكانيات محدودة.

وبعد أن أثبت كفاءته، تولى تدريب عدد من فرق دوري المحترفين، منها القوات الفلسطينية وشباب الأمعري ومؤسسة البيرة، حيث عُرف بانضباطه وشغفه في العمل وقدرته على تطوير اللاعبين.

كما درّب دحبور منتخب مدارس رام الله والبيرة وحقق معه لقب بطل محافظات الوطن لأكثر من عشر مرات، إلى جانب إشرافه على منتخب مدارس فلسطين في أربع دورات عربية.

سنوات طويلة قضاها دحبور في الملاعب، تنقّل بين عدد من الأندية الفلسطينية، ودرّب منتخبات فلسطين للشباب والأولمبي، قبل أن يتولى في عام 2013 مهمة قيادة منتخب فلسطين للسيدات. لم يكن الأمر سهلاً، فالتحديات كثيرة، والمعيقات كبيرة، لا سيما اعتداءات الاحتلال على الرياضة الفلسطينية، لكن إيمانه بلاعباته وبقدراتهن جعل المستحيل ممكناً.

تحت قيادته، وصلت "الفدائيات" إلى المركز الثاني في بطولة غرب آسيا بالأردن عام 2014، وكان ذلك إنجازاً حمل في طياته أكثر من مجرد ميدالية، بل رسالة بأن الفتاة الفلسطينية قادرة على تمثيل وطنها بشجاعة وكفاءة.

عاد في عام 2022، وتولى تدريب منتخب السيدات لفترة ثانية، وكانت أبرز لقاءاته مع نادي بوهيميان الإيرلندي في مباراة تضامنية مع شعبنا أقيمت عام 2024 في مدينة دبلن.

لم يكن دحبور مدرباً تقليدياً، بل كان يرافق اللاعبات في فرحهن وحزنهن، يشجعهن كأب، ويعامل الفريق كعائلة، كان يقول دوماً: "الانتصار الحقيقي مش في النتيجة، الانتصار إنك تزرع الإيمان في قلوب اللاعبات".

قبل أشهر من رحيله، أصيب دحبور بسرطان البنكرياس، لكن المرض لم يطفئ شغفه، واصل الحضور إلى التدريبات ليشرف على الفريق رغم الألم والعلاج، متمسكاً بمهمته كواجب وطني لا يمكن التخلي عنه. في مقابلته الأخيرة من لبنان، بدا ضعيف الجسد، لكنه قوي الإصرار، قال بابتسامته الهادئة: "عشقي لفلسطين أولاً هو ما يدفعني لإكمال مسيرتي إلى جانب اللاعبات".

وفاته يوم السابع عشر من أكتوبر 2025 كانت فاجعة للأوساط الرياضية الفلسطينية، رحل بصمت، لكن صدى خطواته في الملاعب سيبقى طويلاً. بكاه كل من عرفه، وكل من لمس بصمته الإنسانية والوطنية.

ناصر دحبور لم يكن مدرباً فقط، بل رمزاً لمعنى الالتزام والوفاء، ومعلماً للأمل في وجه الألم، رحل الجسد، وبقيت الحكاية… حكاية رجل علّم الفدائيات كيف يقاتلن بالكرة من أجل فلسطين.